مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

لقاء عالم3
د. محمد السيد الجليند

العالم الجليل الدكتور محمد السيد الجليند أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة,

في حوار خاص لـ" موقع بيان الإسلام "

• إن مصر بتاريخها وواقعها ومستقبلها دولة إسلامية يشارك في الإقامة فيها إخواننا الأقباط.
• الذين يروجون لأكذوبة أنه لا سياسة في الدين, قد كذبوا على الله وكذبوا على أنفسهم والمجتمع أيضًا.
• كم أتمنى أن يكتفي الجميع بالانتماء إلى الإسلام عقيدة وشريعة, ويتخلصوا من الانتماءات المذهبية وعصبياتها.
• على التيارات الإسلامية اختيار شعارات وطنية تجمِّع ولا تفرِّق وأرى أنها تدخل في دائرة الواجب الشرعي.
• تأسيس مراكز بحثية متخصصة عن طريق إحياء نظام الوقف الإسلامي؛ لينفق على هذه المراكز حتى لا يتأثر قرارها بالنظام السياسي سلبًا وإيجابًا.

حوار : مصطفى يوسف و منى ثابت :
كيف يرى الأستاذ الدكتور محمد السيد الجليند أحداث ووقائع ثورة الخامس والعشرين من يناير, وما نتج عنها من سلبيات وإيجابيات؟ وكيف يرى أوضاع التيارات الإسلامية على الساحة المصرية؟ ومتى تستقر الأوضاع وتبدأ خطوات النهضة في مصر؟ وأهم المشاريع القومية والعلمية التي تحتاج إليها البلاد في هذه المرحلة؟ وما صفات الرئيس القادم لمصر؟ .. موقع بيان الإسلام التقاه وحاوره حول هذه القضايا وقضايا أخرى وكان هذا الحوار.....

** بداية نود التعرف على سيادتكم عن قرب؟
اسمي محمد الجليند, من مواليد مركز المحلة الكبرى بقرية منشية الأمراء. حفظت القرآن الكريم في كُتّاب القرية, وأتممته في العاشرة, والتحقت بالمعهد الأزهري في مدينة سمنود, حيث حصلت على الشهادة الابتدائية, ثم تأسس معهد المحلة الكبرى, وكنا من أوائل الدفعات التي تخرجت فيه؛ حيث حصلت على الثانوية الأزهرية ( نظام الخمس سنوات )، ثم التحقنا بدار العلوم، وتخرجنا فيها عام 1967م, ثم حصلت على الماجستير عام 1971م, وكان موضوع الرسالة هو " الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل"، وكانت لجنة المناقشة مكونة من الأستاذ الدكتور إبراهيم بيومي مدكور رئيس مجمع اللغة العربية الأسبق ( رحمه الله)، والأستاذ الدكتور يحيى هويدي أطال الله في عمره, بإشراف عميد دار العلوم آنذاك الأستاذ الدكتور محمود قاسم، ثم سجلت الدكتوراه, وكان موضوعها عن " قضية الخير والشر في الفكر الإسلامي ـ المعتزلة والأشاعرة نموذجًا " بإشراف الأستاذ الدكتور محمود قاسم أيضًا. وشاءت إرادة الله تعالى أن يختار إلى جواره في هذه المرحلة الدكتور محمود قاسم ليتولى الإشراف بعده المرحوم الدكتور محمد كمال جعفر, وكانت لجنة المناقشة تتكون من شيخ الأزهر الدكتور محمد بيصار، ورئيس قسم الفلسفة في جامعة الإسكندرية عام 1975م, ثم تدرجت في العمل الأكاديمي في الكلية معيدًا فمدرسًا مساعدًا فمدرسًا فأستاذًا مساعدًا فأستاذًا, وشرفت برئاسة القسم سنة 1987م, ثم مرة ثانية في التسعينيات من أواخر القرن العشرين.

** حدثنا عن جديد أنشطتك في الكتابة والتأليف وفي المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ؟
وفقني الله لإخراج بعض الأعمال العلمية التي أسأل الله أن ينتفع بها شباب المثقفين, وأهمها " سلسلة تصحيح المفاهيم " التي صدر منها إلى الآن عشرة أعداد, ونستعين بالله لإكمال ما يرد على الخاطر من قضايا تحتاج إلى تصحيح مفهومها عند الشباب, ومن أهمها القضية التي أنا مشغول بها الآن وهي " مفهوم السياسة الشرعية بين الدولة الدينية والدولة المدنية" ونستعين بالله على إكمالها, بالإضافة لتحقيق " كتاب الانتصار " في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية, لابن عبد الهادي, وهو أوفى ترجمة لشيخ الإسلام ابن تيمية.

أبرز المؤلفات:
في نظرية المنطق بين فلاسفة الإسلام واليونان ـ من قضايا التصوف في ضوء الكتاب والسنة ـ دقائق التفسير ـ الجامع لتفسير شيخ الإسلام ابن تيمية- الإشارة إلى مذهب أهل الحق للشيرازي ( تحقيق ) ستة أجزاء ـ من قضايا الفكر الإسلامي في مواجهة التغريب واستلاب الهوية.
كما أشارك كعضو في لجنة الفكر في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية, وعضو مجلس إدارة الجمعية الفلسفية المصرية, وأمين عام اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة في الجامعات المصرية ( لجنة الفلسفة ), وعضو محكّم في جائزة آل ثاني العالمية, وعضو في أمانة الجائزة الدولية لوزارة الأوقاف بقطر, وعضو لجنة المؤتمرات في رابطة العالم الإسلامي.

** بعد ثورة 25 يناير أصبحت التيارات الإسلامية أكثر حرية؛ مما دفع البعض للتحذير من زيادة نشاطها حتى لا تتحول مصر إلى دولة دينية. فهل تؤيدون ذلك؟
في الحقيقة مصطلح" التيارات الإسلامية" أنا أتحفظ في استعماله كثيرًا؛ لأن مصر بتاريخها وواقعها ومستقبلها دولة إسلامية يشارك في الإقامة فيها إخواننا الأقباط, ولا يعني كونها إسلامية أنها دولة دينية بالمفهوم السياسي المستورد من الغرب, وكلمة " تيارات إسلامية " استُخدمت بقصد التمييز بين مَنْ يتبنون الدعوة إلى الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية والليبراليين المستغربين في دعوتهم وتوجهاتهم السياسية، والشعب المصري بكامله منحاز للمبدأ الإسلامي فليست هناك تيارات رافضة لهذا المبدأ, وإنما هناك شخصيات معلومة التوجه بحكم تاريخها الثقافي, ويساعدها على ذلك الصوت العالي لها خلال أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وإذا كان يُقصد بكلمة "تيارات إسلامية" أصحاب الانتماءات المذهبية داخل الثقافة الإسلامية ( سلفية, إخوان مسلمين, صوفية... إلخ ) فليست هذه تيارات جديدة وافدة على مصر, وإنما هي مذاهب لها أصولها التاريخية والشرعية أيضًا.
وفي النصف الأخير من القرن العشرين حدث ما لم يكن في حسبان المثقفين المسلمين, بل والعرب؛ تلك المصادمات التي وقعت بين رجال ثورة يوليو, والإخوان المسلمين, ثم نمو التوجه الشيوعي والاشتراكي للسياسة المصرية, ومعلوم أن هذا التوجه لا يعترف بالأديان عمومًا ولا بالإسلام خصوصًا, وقد نضح ذلك على موقف رجال الثورة في علاقتهم بالإخوان المسلمين, بل وبكل الملتزمين دينيًّا من المسلمين والمسيحيين أيضًا, وكانت الثورة تحتضن مجموعة من المثقفين تستكتبهم في الموضوعات التي يُملونها عليهم, ومن أهمها تكوين جبهة مواجهة ومضادة للإخوان المسلمين فأفرزت لنا هذه المصطلحات: المتطـرفين ـ الإرهابيين ـ التيارات الإسلامية؛ وهي كلها مصطلحات تهدف بالدرجة الأولى إلى شق الصف الإسلامي, وتأليب المسلمين بعضهم على بعض, وقد أفلحت في ذلك إلى حد كبير, فوجدنا كثيرًا من المنتسبين إلى العلوم الشرعية يعتلون المنابر ويُفْسَح لهم في أجهزة الإعلام لكي يتولوا هم بأنفسهم معارضة هذه التوجهات الإسلامية الملتزمة تحت دعوى محاربة التطرف ومحاربة الإرهاب.
وفي خلال فترة الاعتقالات التي تمت في عهد عبد الناصر وأوائل عصر السادات أفرزت لنا هذه المعتقلات مجموعة من الشباب الذين قرأوا تراث سيد قطب وأبي الأعلى المودودي قراءة متحيزة لآراء أبي الأعلى المودودي وسيد قطب بالذات, فخرج من السجون والمعتقلات بعض الجماعات التي تبنت العنف الثوري تحت مسمى جماعة الجهاد أو جماعة التكفير والهجرة؛ وذلك في مواجهة عنف الدولة وسوء معاملتها لهم في داخل السجون ( معاملة العنف بالعنف ), ولم يكن ذلك من الإسلام في شيء, ولا من فكر الجماعة ( الإخوان المسلمين ), وليس أصلاً من أصول الفكر السلفي؛ بل إن روح القرآن الكريم والسنة النبوية ترفض ذلك جملة وتفصيلاً؛ ومن هنا بدأ استخدام لفظ التطرف والمتطرفين بكثرة, وتوسع الإعلام في استخدام المصطلـح حتى كادوا يطلقونه على الفتاة المحجبةـ ولا أقـول المنتقبةـ وعلى الشاب الملتحي؛ بل وعلى من يرتاد المساجد في صلاة الجماعة, ومن المعلوم أن أجهزة الإعلام لا تتحرى الحقيقة بقدر ما تتحرى الشهرة والترويج للدعاية التي تتبناها؛ ومن هنا ظهرت هذه المصطلحات، واشتهرت على أجهزة الإعلام المختلفة.

** تنوع الاتجاهات الدينية في مصر بين سلف وإخوان ووسط ومتصوفة وعملهم بالسياسة مؤخرًا, هل هذا يخدم الإسلام أم يسيء إليه. فما تعليقكم؟
إنني أعيب على أصحاب هذه الانتماءات كلها هذا التصنيف الذي يعشقونه وينتمون إليه ( سلفيين ـ صوفية ـ إخوان مسلمين...إلخ), وكم أتمنى أن يتخلص هؤلاء وأولئك من هذه الانتماءات التي تفرِّق ولا تجمِّع، وتدعو إلى التعصب بدلاً من التسامح, بل كانت ولازالت سببًا في تفريق كلمة المسلمين وتمزيق صفوفهم, وكم أتمنى أن يكتفي الجميع بالانتماء إلى الإسلام عقيدة وشريعة, ويتخلصوا من هذه الانتماءات المذهبية وعصبياتها.
أما عملهم بالسياسة؛ فهذا أمر يحتاج إلى إعادة صياغة للعقلية الثقافية في مصر التي وُلدت وتربت على أكذوبة هذه الثنائية ( الدين والدولة ـ العلم والدين ـ الدولة الدينية والدولة المدنية )، فكل هذه الثنائيات استوردها الليبراليون من الغرب؛ لأنها تولدت هناك بناء على مشكلات عاشها الغرب ولم نعشها نحن في بلادنا, وحملت معها همومًا ثقافية واجتماعية عاشها الغرب وليس لها وجود في حياتنا الإسلامية, ومثلت علاقة تناقضية بين الكنيسة والدولة, وصُدّرت إلينا باسم الدين والدولة, وهي مشكلة زائفة, لا أصل لها في تراثنا الإسلامي؛ لأن عقيدتنا وما تفرع عنها من شرائع قد غطت ـ والحمد لله ـ حياة الإنسان اليومية، ونظمت علاقته بالمجتمع في إطار الراعي بالرعية سياسيًا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا أيضًا, وميّزت بين حق الراعي على الرعية, وحقوق الرعية على الراعي تفصيلاً, والذين يروجون لأكذوبة أنه لا سياسة في الدين, قد كذبوا على الله وكذبوا على أنفسهم والمجتمع أيضًا. وهذا يعطينا الحق أن نقول باطمئنان : إن المتخصصين في الثقافة الإسلامية ـ خاصة السياسة الشرعية ـ ( المتخصصين ) لابد أن يكون لهم رأي فيما تُساس به الرعية الآن قربًا أو بعدًا من الروح العامة، والمبادئ الكلية والمقاصد الشرعية قربًا أو بعدًا منها. وأنا أميل إلى أن يجعلوا أنفسهم في موقع الناصح الأمين, صاحب الرأي والكلمة, ويبتعدوا عن موقع صاحب القرار التنفيذي, أيًّا كان مسماه ( رئيس دولة ـ رئيس وزراء ـ وزير ـ محافظ .... إلخ )؛ لأن هذه المناصب لها مقتضياتها من الالتزام بالمفهوم السياسي المعاصر وعدم معارضته, وقد يتنافى هذا مع جلال أهل العلم الشرعي, وضرورة التزامهم شخصيًّا بما يقولون, إذا عجزوا عن تطبيقه في الواقع؛ حتى يكون العالم قدوة في الالتزام بما يقول.

** ترفع بعض التيارات الإسلامية شعارات تطبيق الشريعة. هل ترى أن المجتمع المصري مؤهل لذلك الآن؟
أنا أدعو الذين يرفعون هذا الشعار, إن كانوا مخلصين لقضيتهم أن يأخذوا فقه الواقع الذي يترتب عليه ضرورة النظر في مآلات الأفعال ومآلات اتخاذ القرار، وما يترتب عليه من مفاسد ومصالح, وضرورة الموازنة بين المفاسد التي تترتب على رفع هذا الشعار الآن, وأهمها شق الصف الوطني وتفريق الكلمة, وهذا أمر جد خطير أرى أنه أهم وأولى, بل يدخل في دائرة الواجب الشرعي, وتكون المحافظة عليه واجبة, ورفع شعار آخر يجمِّع ولا يفرِّق ويلتف حوله أبناء الشعب المصري ونبتعد به عن دائرة التمزق الوطني التي قد يؤدي إليها رفع شعار " الإسلام هو الحل "، ومعلوم في كل دائرة من هو المرشح الممثِّل لكل حزب ولا تخطئه العين, فليس من الضروري إذن استعمال هذا الشعار والبحث عن شعار وطني آخر, وإلا كان التعصب لهذا الشعار خارجًا عن المعنى الشرعي الذي يقصد على الدرجة الأولى إلى الوحدة والتجمع بدلاً من الفرقة والخلاف, وأرجو من المفكرين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أن ينظروا إلى هذه القضية نظرًا شرعيًّا لا نظرًا مذهبيًا انتمائيًّا تحقيقًا لقوله تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران:103.

** لماذا يؤثر الخطاب الديني المتشدد في فئات متعددة من المصريين بينما لا نجد تأثيرًا مثيلا للخطاب الوسطي المعتدل؟
ربما أخالفك في هذا المعنى؛ لأن الخطاب الديني المتشدد لا نجد له تأثيرًا إلا عند بعض المنتمين مذهبيًا لفكر الفرق الإسلامية, كالخوارج والشيعة, وبعض المنتمين إلى السلف الذين يقرأون النصوص ويكتفون بحفظ ألفاظها دون أن يتدرجوا إلى فقه النص وفهم روح النص ( المقصد الشرعي من النص). والفارق بين القراءتين القراءة المتشددة والقراءة الوسطية, هو الفرق بين القراءة الحرفية الظاهرية للنص والقراءة المقاصدية للنص, وربما يكون هناك نوع من التحفظ على كلمة الخطاب المتطرف؛ لأن شيوع هذا المصطلح على ألسنة الكثيرين وفي أجهزة الإعلام قد ضيَّع معنى المصطلح، وأصبح يُطلق على كل ملتزم أنه متطرف, فالذي يتكلم عن الحجاب يُعد في نظر البعض متطرفًا, وكذلك من يتكلم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُعد في نظر البعض متطرفًا, وهكذا تاهت معالم المصطلح.
ومن المهم أن نعلم أن التطرف علة في الدين وآفة في التدين, وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عنه في أكثر من حديث حيث قال:(يسِّروا ولا تعسِّروا)، (بشِّروا ولا تنفِّروا)، (وما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا)، وأخذ أصحابه رضي الله عنهم بهذا المنهج في التيسير. أما الغلو والتطرف فهذا أمر مَن التزم به يجب عليه ألا يُلزم الآخرين به، وقد كتبت في ذلك كتابًا مستقلا بعنوان" الأصولية والحوار مع الآخر" بينت فيه الفرق بين الالتزام كمفهوم شرعي والتطرف كفهم شخصي لبعض القضايا الفرعية، وبينت أن ذلك يتنافى مع روح الإسلام وأصوله قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج: ٧٨، وهذا مبدأ أصولي يمثل قانونًا عامًّا تجسد في قوله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة: ١٨٥، ومن شدَد شدَد الله عليه.

** ما أهم العقبات التى تواجه الخطاب الإسلامي الوسطي؟ وكيف يمكننا التغلب عليها ليكون هذا الخطاب الوسطي الأكثر حضورًا وتأثيرًا؟
نعم هناك عقبات، يتمثل أولها في المتحدثين عن الإسلام، وأشير هنا إلى بعض القضايا التي يلاحظها الجميع، مثل عدم فهم الواقع الذي يتحدث فيه الداعية أو الخطيب، فتجد في بيئات ثقافية عالية المستوى مَنْ يتحدث عن أمور لا تتصل بهم من قريب ولا من بعيد، والعكس صحيح، تجد البيئات الأمية ثقافيًّا ودينيًّا تسمع فيها مَنْ يخاطبهم بلسان لا يفهمونه لا من قريب ولا من بعيد، ومن القواعد التي ينبغي أن تُراعى في هذا الشأن أن لكل مقام مقالا، وخاطبوا الناس على قدر عقولهم، هذه واحدة، وهناك أخرى وهي الأهم، أن الدعاة- خاصة خطباء المساجد- قد فضَّلوا أن يختزلوا الإسلام في ممارسة الشعائر الدينية في داخل المسجد، ونسوا أن الإسلام ما لم يكن مؤثرًا في حياة المسلم؛ في الشارع والمتجر والمصنع والمؤسسات التعليمية والجامعات فهو إسلام ميت لا تفارق آثارُه جدران المساجد، وهذه جناية الدعاة على الإسلام.
وأرى أن هناك قضية كبرى أوجه إليها الخطباء والمشتغلين بالدعوة: وهي الخروج بالإسلام من دائرة العبادات والشعائر إلى النظرة الشمولية التي تجعل العالم الكيميائي والطبيب والجراح والمهندس وعالم النبات وعالم الفلك, وهم يمارسون بحوثهم العلمية تجعلهم في عبادة لله, لا تقل أهمية ولا تقربًا إلى الله مِنْ الواقف في محراب المسجد؛ فتلك عباده قولية في داخل المسجد, وهذه عبادة عقلية علمية تربوية نهضوية تقود الأمة إلى الأمام حتى تعيش الأمة ثقافة (إتقان العمل) فهذه عبادة منسية, إن لم تكن مجهولة دعانا إليها الـقـرآن, ونبهنا إليها الرسول صلى الله عليه وسلم, ومن العجيب أن خطباء المساجد حين يقرأون قولـه تعـالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} البقرة: ٤٣ يستدلون بها على وجوب الصلاة ووجوب الزكاة, وحين يقرأون قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يونس: ١٠١، وقوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} العنكبوت: ٢٠ , وقوله تعالى : {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} الغاشية: ١٧؛ فلماذا لا يستدلون بها على وجوب إعمال العقل في الكون وما فيه؛ لاستظهار قوانينه تحقيقًا لمبدأ التسخير الإلهي للكون الذي لا يتم إلا باكتشاف هذه القوانين العلمية.
إن إعراض الخطباء عن إحياء هذا الواجب الديني والفريضة الشرعية قد صرف عقول العلماء عن الاشتغال بها لعبادة لله واقتصروا في ممارستها على أنها وظيفة دنيوية لأكل العيش, فما نصروا بها دينًا, ولا عمّروا بها دينًا. وهذا أخطر ما أصاب الخطاب الديني من خلل في عصرنا الحاضر, وما لم يتنبه له المهتمون بقضايا الأمة ثقافيًا وتربويًا فلا أمل في أية نهضة يتحدثون عنها؛ لأن العلم الكوني هو مفتاح نهضة الأمم, شئنا أم أبينا. وقد أمرنا القرآن الكريم بذلك، ونبَّه إليه الشرع الحنيف.

** هل ترى أن القنوات الفضائية الدينية أسهمت في توعية المسلمين بالفهم الصحيح للإسلام؟
لاشك أن هذه القنوات لها رُوّاد ولها جمهور يشاهدها؛ لكن لي عتاب على الذين يتبوأون مقاعد الحديث فيها : أود منهم أن يخرجوا من دائرة التخصص الدقيق إلى مخاطبة العوام بما يناسب ثقافتهم, ويجعلوا الخطاب المتخصص في جلساتهم الخاصة, وإذا أرادوا أن يتحدثوا في قضايا معاصرة, فأتمنى أن يقرأوا حولها كثيرًا وكثيرًا وكثيرًا قبل أن يتحدثوا عنها؛ لأن سقطات هذه النوعية في الخطأ لا يُغتفر لها خاصة إذا علمنا أن لها متربصين, بل ومترصدين يجعلون من أخطائها خطيئة ولا يغفرون لها الهفوة وإن صغُرت, ونتمنى لها النجاح والسداد.

** العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر دائمًا ما تشهد توترات. هل هناك فتنة طائفية فعلا؟ أم أن الحكومة تفشل في معالجة الأزمات مما يؤدي إلى تفاقمها؟
إن تاريخ العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر كان نموذجًا يُحتذى في علاقة الإسلام بأهل الأديان الأخرى عمومًا سواء كانت سماوية أو وضعية, فهي تمثل علاقة الجار بالجار , وعندنا المثل السائغ : أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالجار حتى بالجار السابع, دون تفرقة بين جار مسلم وجار غير مسلم, إلى أن ظهر الفكر الاستعماري الغربي, وفرض نفسه على المنطقة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وكان من أهم معالم هذا الفكر الاستعماري رفع شعار " فرِّق تَسُدْ " فاتخذ منه سلاحًا حادًّا لتقطيع أواصر العلاقة بين أبناء الوطن الواحد لينفذ بفكره إلى زرع عوامل البغضاء بين المتجاورَيْن, وللأسف الشديد استطاع الاستعمار أن يستولي على بعض الأقلام التي تربت على موائده الثقافية والسياسية, وجنّدها لنشر هذا الفكر بين أبناء الوطن, وكان منهم المسلم والمسيحي الذين روّجوا لهذه النعرة, وهي ليست لها جذور تاريخية في بلادنا مصر؛ ولكن في الفترة التي احتل الإنجليز فيها مصر ومعظم البلاد العربية ـ أشعلوها نار حامية بطريقتهم الخاصة عن طريق بعض الأقلام المأجورة التي لا تنتمي للوطن لا ثقافيًّا ولا تاريخيًّا, وجعلت منها أبواقًا تعمل على إشعال هذه الفتنة كلما خمدت نارها.
وعندما ننظر في المسائل التي أثارت الخلاف بين المسلمين والمسيحيين في وقتنا الحاضر نجدها في معظمها مسائل اجتماعية تقع يوميًّا بين المسلم والمسلم, والمسيحي والمسيحي, كما تقع أيضًا بين المسلم والمسيحي؛ ولكن الإعلام يُلبسها ثوب الفتنة الطائفية؛ لحاجة في نفس يعقوب, يعلمها الله ويعلمها أولو البصائر من المسيحيين والمسلمين على سواء, وحين يُلبسون هذه الخلافات ثوب الفتنة الطائفية يتحرك من أجلها عوام الطرفين فيشعلونها نارًا, كما حدث في موضوع الكنيسة سواء في صول بحلوان أو الماريناب بأسوان أو إمبابة, وأصولها معروفة عند الجميع, أنها بسبب علاقات اجتماعية ألبسها الإعلام المأجور ثوب الفتنة الطائفية.
وقد شاهدنا على شاشة التلفاز أهل قرية الماريناب من النصارى والمسلمين يتحدثون عن علاقات الود وحسن الجوار فيما بينهم, وأن المسلمين كانوا يعاونونهم في بناء الكنيسة وهدم القديم منها, ويقدمون لهم الطعام والشراب كعادة أهل الريف المصري في تعاونهم مع بعضهم البعض, ولكن هكذا أراد الإعلام أن يشعلها فتنة طائفية, ونسأل الله أن ينجي مصر من تدابير هؤلاء الذين يسعون في الأرض فسادًا, وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم.

** في رأيكم ما المشروع القومي والعلمي الذي تحتاج إليه مصر الآن؟
يحزنني كثيرًا أن الحكومات المتعاقبة منذ نصف قرن من الزمن تعلم جيدًا أن في مصر الكثير من عقول العلماء, والكثير من الأيدي العاملة, والماء المهدر في البحر الأبيض المتوسط عن طريق فرعي رشيد ودمياط, وأن الأرض الصحراوية لا تتأبّى على أحد أن يبذر فيها الحب لينبت فيها الزرع, ولكن تأتي الحكومة بعد الحكومة، ولا تفكر في استزراع الأرض المصرية بعقول مصرية وبأموال مصرية؛ ونستورد غذاءنا من الخارج!!
عندنا يا أخي الكريم, فرعا رشيد ودمياط يصبان ماء النيل هدرًا في البحر الأبيض المتوسط؛ لماذا لا تُقام سدود لحجز هذا الماء بمستويات مختلفة للاستفادة منه فنزرع به الصحراء؟ لماذا لا تكون شركات مصرية بأموال مصرية عن طريق طرح أسهم؛ كل شركة تمتلك عشرة آلاف فدان, مليون فدان, وتُشترى هذه الأسهم بأموال مصرية, ثم تُستزرع هذه الأرض بعمالة مصرية ( تشغيل البطالة ), كما فعل المستثمرون الأجانب الذين اشتروا أرض مصر, وزرعوها بأموال من البنوك المصرية, وصدّروا زراعتها إلى الخارج؟ أليست الحكومات المصرية مؤهلة للتفكير في تأسيس هذه الشركات وتوزيع الصحراء الصالحة للزراعة عليها واستزراعها بمياه النيل المهدرة في البحر الأبيض المتوسط. هذا هو المشروع القومي الذي يجب أن تهتم به الدولة الآن حتى نأكل مما نزرع؛ لكي نملك قرارنا بأيدينا سياسيًّا واقتصاديًّا.
ويوازي هذا المشروع بنفس الدرجة قضية التعليم في مصر, وتأسيس مراكز بحثية متخصصة عن طريق إحياء نظام الوقف الإسلامي؛ لينفق على هذه المراكز حتى لا يتأثر قرارها بالنظام السياسي سلبًا وإيجابًا. وهذا النظام الوقفي كان سببًا في إحياء النهضة الإسلامية في القرون الخوالي حتى القرن السادس الهجري؛ كان العلماء يُنفق عليهم من مال الوقف, وكانت المراكز البحثية أو العلمية تُمول من دار الوقف, ولعل دار الحكمة التي أُسست في العصر العباسي خير دليل على ذلك.

** هل أنتم متفائلون بالمرحلة القادمة في مصر؟
نعم أنا متفائل, ولابد أن أكون متفائلاً؛ لأن الشباب الذي خرج بصيحته الثورية على الواقع الذي كانت تعيشه مصر كان طاهرًا, ولا نزكيه على الله, صادقًا مخلصًا لوطنه؛ ولذلك فإن صيحته قد هزت عروشًا ما كنا نتوقع أنها بهذه الهشاشة, وزلزلت ملكًا عضوضًا تبنى النهج الفرعوني في سياسته للرعية: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} ، واستضعف أبناء وطنه بالترغيب أحيانًا وبالترهيب أحيانًا, حتى تاهت معالم الوطن, وذابت في أهواء الأشخاص ورغبات المقربين, نعم لابد أن نكون متفائلين لأن الحاجز النفسي بين المواطنين وبين مَنْ يتصدى لقيادة الدولة قد انكسر وإلى الأبد.
ولكن أرجو ألا يترتب على هذا الانكسار النفسي فوضى أخلاقية تؤدي إلى ضياع القيم المصرية الأصيلة التي نأمل ألا تضيع في سلوكيات الشباب الثائر. نعم لابد أن يكون الأمل قويًّا؛ حتى تخرج مصر من النفق الذي أدخلها البعض فيه مستغلاً حالة الانفلات الأمني الذي دَبَّر له بليل وزير الداخلية الأسبق ( حبيب العادلي ) ورجاله, فليس من المصادفة أن تُفتح المعتقلات والسجون, وأن تُحرق أقسام الشرطة وسيارات الشرطة ( حوالي أربعة آلاف سيارة ) في وقت واحد وبأسلوب واحد وبمنهج تنفيذي واحد, ولكن حمى الله مصر من كيدهم, وسوف تخرج قوية إن شاء الله أكثر مما كانت, ويخرج أبناؤها المخلصون أشد تمسكًا بوطنيتهم واحترامًا لقيمهم التي تربوا عليها.

** ما صفات الرئيس القادم لمصر كما تتمناها سيادتكم ؟
نبه القرآن الكريم إلى أهم صفتين ينبغي أن يتحلى بهما الحاكم, وأن يكون من المتربِّين على التخلق بهما أيضًا, وهما " القوة والأمانة " قال تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} القصص: ٢٦؛ فالقوة هنا ليست قاصرة على القوة البدنية؛ إنها كلمة جامعة لمظاهر القوة في الحق قولاً وسلوكًا ليظهر أثرها في عدم المجاملة وعدم الرأفة في تنفيذ الحق ولو على نفسه, والأمانة هنا كلمة جامعة شاملة لتحري الدقة ومواضع جلب المصالح وتكثيرها, ودرأ المفاسد وتقليلها, والأخذ بمبدأ استشارة أهل الخبرة والاستعانة بها؛ وليس أهل الثقة أو الولاء, وأن يعلم أن من أهم ما يُعنى به أن يؤصِّل في أبناء الوطن أن يكون ولاؤهم للمبدأ لا للشخص, وأن ينشد فيهم ثقافة العمل والولاء للوطن. وأسأل الله أن يقيِّض لهذا البلد مَنْ ينهض به, وأن يهبه البطانة الصالحة.. والله ولي التوفيق.


   
   
:الاسم
:البريد الالكتروني

:التعليق

 

سلسلة الحوار الحق


برنامج شواهد الحق


برنامج أجوبة الإيمان


برنامج حقائق وشبهات


برنامج الرد الجميل


مناظرات أحمد ديدات


التوراة والإنجيل والقرآن


حقائق قرآنية


لماذا أسلمت


آيات القرآن ودلائل القدرة


صيحة تحذير


لماذا أسلموا


علماء مسلمون


محمد الرسالة والرسول


محمد المثل الأعلى


 
  
المتواجدون الآن
  4792
إجمالي عدد الزوار
  36780849

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع